العز بن عبد السلام : يمتلئ التاريخ بشخصيات إسلامية كان لها وقع كبير وأثر عظيم مازلنا نلمسه حتى الآن، والعز بن عبد السلام واحد من أبرز هذه الشخصيات. فمن هو هذا الباحث الشجاع في الشريعة الإسلامية ؟ ولماذا لقب بـ ” سلطان العلماء وبائع الملوك”، لنتعرف في السطور التالية على قصته
ترجمةالعز بن عبد السلام ؟
هو أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن حسن السُّلَمي الشافعي، ولد في دمشق عام 577 هجري، الموافق ل 1181 ميلادي، أي قبل ست سنوات من تحرير صلاح الدين الأيوبي للقدس من يد الاحتلال الصليبي.
درس على يد العديد من العلماء المعروفين في عصره مثل ابن عساكر، الأميدي، وأبو محمد القاسم. وعلى الرغم من أنه كان قد بدأ التعلم في سن متأخرة، إلا أنه سرعان ما أظهر تفوقا عن زملائه وحقق مكانة كبيرة بين العلماء. شغل بعدها منصب كبير الأساتذة في مدرسة الزاوية الغزالية بدمشق، وقد جمع مع منصبه هذا وظيفة الإمام والخطيب في المسجد الأموي والذي كان يعد المسجد الرئيسي للمدينة ، وبعد أن استمر فيه لفترة طويلة تجرد منه.
اقرأ أيضا: صلاح عطية … ملياردير الغلابة الذي حسده كبار رجال المال و الأعمال
انتقل إلى العيش في مصر ، حيث ذاع صيته كعالم، وقد أشاد الحافظ المنذري بقدرته الكبيرة على إصدار الفتاوى و الأحكام لعلمه الكبير بالفقه.
توفي في القاهرة عام 660 هجري الموافق ل 1262 ميلادي، ودفن تحديدا في سفح المقطم.
مواقف العز بن عبد السلام : سلطان العلماء وبائع الملوك:
كان لسلطان العلماء العز بن عبد السلام مواقف عظيمة اشتهر بها، فقد سعى دائما إلى إحقاق كلمة الحق والنهي عن المنكر وبالأخص مع الحكام في عصره. فبعد أن انقل صلاح الدين الأيوبي إلى رحمة الله، ظهر خلاف بين خلفائه وزادت حدة الصراع بين الصالح إسماعيل بن الكامل حاكم دمشق وقتها و بين نجم الدين الأيوبي أخيه وسلطان مصر وقد أدى ذلك إلى تحالف حاكم دمشق من الصليبيين وسلمهم بين المقدس وكذا عسقلان وطربية ، بل أنه وعدهم بجزء من مصر ليعينوه على الإطاحة بأخيه.
فلم يسكت العز حينها عن ما يحصل وهاجم السلطان في أحد خطبه، مما تسبب في سجنه ثم رحيله إلى مصر بعد الإفراج عنه وتولى فيها الخطابة والقضاء، وكان ذلك دافعا له لنشر العلم وإعلاء كلمة الحق وإزهاق الباطل. ومن مواقف العز بن عبد السلام: تلك الشخصية العظيمة سلطان العلماء وبائع الملوك التي سجلها التاريخ نذكر:
اقرأ أيضا: الحرب العالمية الثانية: الكارثة العالمية التي شاركت فيها دولة عربية وحيدة
بيع العز بن عبد السلام لأمراء المماليك:
كان الملك نجم الدين يستخدم أمراء المماليك لخدمته وخدمة جيشه و تسيير أمور الدولة، إلا أن أصدر العز حكما ببيعهم و رد ثمنهم إلى بيت مال المسلمين ثم يعتقون بعدها وفقا للشرع. فاستنكروا عليه هذا الحكم وعارضو أمره بحجة أنهم ملوك الأرض. حتى أنهم أردوا قتله، فقرر بعدها العودة إلى الشام ولكن الملك خضع لحكم وطلب منه البقاء وأمر بتنفيذ أمر بيع أمراء المماليك.
شجاعته في مواجهة الحكام والنهي عن المنكر:
لما رأى العز أن مصر بها حانات تبيع الخمور ويفعل فيها المنكر، تقدم إلى السلطان نجم الدين أيوب وواجهة بشجاعة وحجة قوية عن إباحته لمثل هذه الأمور، فنفذ حكم إقفال الحانات فورا. وقيل أن أحد تلامذته سأله عن سر عدم خوفه من مواجهة الملك فرد: “استحضرتُ هيبة الله تعالى فصار السلطان أمامي كالقطّ!”.
مشاركته في الحروب ضد الصليبيين والتتار
لم تقتصر مشاركة العز بن عبدالسلام في محاربة الصليبيين والتتار بالكلمة فقط، بل إنه شارك في معركة المنصورة التي قادها لويس التاسع ملك فرنسا سنة سنة 647 هجري الموافق ل 1249 ميلادي.
أقوال العز بن عبد السلام
من أهم أقوال العز بن عبد السلام والتي جاءت على لسانه ما يلي :
«أما مصالح الدارين وأسبابها ومفاسدها: فلا تعرف إلا بالشرع، فإن خفي منها شيء طلب من أدلة الشرع وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس المعتبر والاستدلال الصحيح. وأما مصالح الدنيا وأسبابها ومفاسدها : فمعروفة بالضرورات والتجارب والعادات والظنون المعتبرات، فإن خفي شيء من ذلك طلب من أدلته. ومن أراد أن يعرف المتناسبات والمصالح والمفاسد راجحهما ومرجوحهما فليعرض ذلك على عقله بتقدير أن الشرع لم يرد به ثم يبني عليه الأحكام فلا يكاد حكمٌ منها يخرج عن ذلك إلا ما تعبَّد الله به عبادَه ولم يقفهم على مصلحته أو مفسدته، وبذلك تعرف حسن الأعمال وقبحها.»
وفي سؤاله عن الرقص قال: «وأما الرقص والتصفيق فخفة ورعونة مشبهة لرعونة الإناث، لا يفعلها إلى راعن أو متصنع كذاب، وكيف يتأتى الرقص المتزن بأوزان الغناء ممن طاش لبه، وذهب قلبه، وقد قال عليه السلام: «خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»، ولم يكن أحد من هؤلاء الذين يُقتدى بهم يفعل شيئاً من ذلك، وإنما استحوذ الشيطان على قوم يظنون أن طربهم عند السماع إنما هو متعلق بالله عز وجل، ولقد مانوا فيما قالوا، وكذبوا فيما ادعوا… ومن هاب الإله وأدرك شيئاً من تعظيمه لم يَتصور من رقص ولا تصفيق، ولا يَصدر التصفيقُ والرقصُ إلا من غبي جاهل، ولا يصدران من عاقل فاضل.»
ورد الشيخ العز بن عبد السلام على سيف الدين قطز عند استعداده للحرب ضد التتار، فقال: «إذا طَرَقَ العدوُّ بلادَ الإسلام وجب على العالَم قتالُهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم، بشرط أن لا يبقى في بيت المال شيء من السلاح والسروج الذهبية والفضية والكبابيس المزركشة وأسْقاط السيوف والفضة وغير ذلك، وأن تبيعوا مالكم من الحوائص الذهبية والآلات النفيسة، ويقتصرَ كلُّ الجند على سلاحه ومركوبه، ويتساووا هم والعامة، وأما أخذ الأموال من العامة مع بقايا في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا.»