التصدق على الفقراء، معناه: إخراج جزء من المال بغرض ابتغاء رضاء الله تعالى، و أنواع الصدقة كثيرة، والفقراء من أكثر الفئات التي تحتاج إلى التصدق عليها بشكل مستمر، حيث أنهم أشد حاجةً من غيرهم، ولا يُوجد لديهم مصدرًا آخر لسد حاجاتهم هم ومن يعولونهم لفترة زمنية طويلة، ولا يُشترط أن تكون الصدقة مالا فقط، فيُمكن أن تكون على شكل ملبس أو مأكل.
أهمية التصدق على الفقراء:
- يعتبر التصدق على الفقراء وسيلة من وسائل المساعدة لهذه الفئة من المحتاجين، لسد حاجاتهم الضرورية من مأكل ومشرب وعلاج، كما أنها تساعدهم في مواجهة ظروف الحياة الصعبة حيث لا يملكون مصدر رزق أو مصدر دخل ثابت يوفر لهم ولمن يعولونهم أساسيات الحياة.
- تعتبر الصدقة وسيلة من وسائل التضامن والتعاون بين أفراد المجتمع الواحد.
- كما تقرب الصدقات العبد من ربه، وتُطفىء غضب الله، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن صدقة السر تُطفىء غضب الرب تبارك وتعالى”.
- تقي الصدقات صاحبها من النار، إذا كانت نية صاحبها خالصةً لله، دون رياء أو مَن أو أذى، كما جاء في حديث النبي: “يقي أحدكم وجهه حر جهنم ولو بتمرة، ولو بشق تمرة، كما أنها تظل صاحبها يوم القيامة حتى ينتهي الحساب، كما قال النبي: “الرجل في ظل صدقته حتى يُقضى بين الناس”.
- تعتبر الصدقة وسيلة من وسائل الشفاء، كما جاء في حديث النبي: “داووا مرضاكم بالصدقة”.
- تزيد الصدقات من الرزق وتبارك في الأموال والأولاد والنفس.
- تعتبر الصدقة سببا من أسباب دخول الجنة، حيث يوجد بالجنة باب اسمه الصدقة، يدخله المتصدق في الدنيا، كما قال النبي: “ومن كان من أهل الصدقة، دُعي من باب الصدقة”.
- تمحي الصدقات الخطايا والذنوب، حيث يقول النبي في حديثه الشريف: “والصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار”.
- ترد الصدقات البلاء وترفعه عن صاحبها، وترشد صاحبها على عمل الخير وطريق الرشاد دائما، كما قال الله في القرآن الكريم: “لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون”.
- كما أن خروج الصدقات بشكل يومي سببا في الدعاء للمتصدق من الملائكة، حيث تجعل الملائكة تدعو لصاحبها ويقولوا: “اللهم أعطي منفقا خلفا”.
الصدقة الخفية:
ما أروع أن يكون التصدق على الفقراء بطريقة كريمة لا تجرح شعور الفقير وتحفظ له كرامته وماء وجهه وتشعره ان هذا حقه على أخيه في الدين والإنسانية وامتثالا لأمر الله ليس منا ولا تفضلا.
وفي فضل صدقة الخفاء، قال المولى سبحانه في كتابه العزيز :”إنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {البقرة: 271}.
كما جاء في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم: ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.
تعتبر الصدقة في الخفاء أفضل من العلن، حيث تكون نية صاحبها هي مساعدة الفقير أو المحتاج لوجه الله دون انتظار شكر من أحد، أو مديح، أو التباهي أمام الناس بها، كما أنها تعتبر ردا للأذى النفسي الذي يمكن أن يتعرض له الفقير عند إعطاءه هذه الصدقة، حيث تحميه من التعرض للإهانة أو شعوره بالنقص وامتهان كرامته، حيث قال الله في كتابه العزيز: “إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم”.
كما أنه يمكن أن تكون الصدقة في العلانية نوع من أنواع اقتداء الغير بها، مع الأخذ في الاعتبار للمتصدق محاولة سد أي منفذ للشيطان عند التصدق في العلن، كما قال علماء التفسير: “فيه دلالة على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها، لأنه أبعد عن الرياء، إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة من اقتداء الناس به فيكون أفضل من هذه الحيثية”.
كما قال بعض علماء الدين أن الصدقة الخفية على الفقراء لا تقتصر فقط الصدقات المادية والعينية مثل المأكل والملبس، ولكن يمكن أن تكون على هيئة أشكال أخرى مثل:
- عدم احتكار التجار لسلعة معينة، وعدم الغش في البيع والتدليس والبيع بسعر مناسب وفي متناول هذه الفئة، وعدم رفع الأسعار والمساهمة في عدم استقرار الأسواق والأسعار.
- كما أن موظف الدولة الذي يحارب الفساد، ويعمل على الحفاظ على المال العام للدولة، ولا يقوم بإهداره شكلا من أشكال الصدقة الخفية لما فيه من حفاظ على حقوق الفقراء في هذه الأموال.
- كما أن المسئول في الدولة التي يتخذ قرارات تناسب هذه الفئة، وتحافظ على حقوقها من الضياع، وتسهل عليهم العيش شكلا من أشكال الصدقة الخفية.
التصدق على الفقراء من أكثر العبادات التي حث عليها الدين الحنيف وحبب فيها المولى عز وجل عباده، وذلك لأنها أحد الضمانات لبنية مجتمعية سليمة، إذ أنها تنم على عطف الغني على الفقير وتنزع من قلب الفقراء أي غل او حقد تجاه من انعم الله عليهم بالمال.
وفي ظل ما يعيشه العالم من ابتلاءات كثيرة آخرها انتشار الأوبئة التي استعصى علاجها، وما تبعها من تعطل مصالح فئات كثيرة من الناس، أصبحنا في أمسّ الحاجة للتكاتف وأن يشعر كل منا بالآخر، وبات من المرؤة والإنسانية أن ينظر كل إنسان بعين العطف لمن هو دونه ويمد يد المساعدة لمن يحتاجها.
الصدقة وفضلها:
التصدق على الفقراء له من الفوائد والمنافع الكثير، ولعل أروع ما نقوله عن فضل الصدقة أنها تطفئ غضب الله تعالى، خاصة إذا كانت خالصة لوجهه الكريم ، يخرجها المرء سرا ودون منّ او رياء، تكاد يساره لا تعلم ما أنفقت يمينه، وقد قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن صدقة السر تطفئ غضب الرب تبارك وتعالى”
كما أن لها أفضال كثيرة منها:
- دفع البلاء ، ودواء لكثير من الداء والأمراض كما في قوله صلى الله عليه وسلم: “داووا مرضاكم بالصدقة”
- أنها تقي من النار كما في قوله صلى الله عليه وسلم: “اتقوا النّار، ولو بشق تمرة”
- هي عبادة تزكية وتطهير للنفس، لأنها تمحو الخطايا والذنوب وقد ورد الأمر بالتصدق في كثير من الآيات والأحاديث، ومنها قول الله تعالى في سورة التوبة:” خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)
- تمحو الخطايا والذنوب ، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم “والصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار”.
- تلين القلب وتعالج قسوته وترققه
- جلب البركة في المال والولد وسائر الأرزاق
- أجرها مضاعف فالحسنة بعشر أمثالها والله يضاعف لمن يشاء.
- تدخل صاحبها الجنة من باب خاص هو باب الصدقة يوم القيامة
موضوع عن الصدقة في سبيل الله:
و إذا أردنا اختيار قصة لنشرح بها كيف يكون التصدق على الفقراء وممن يبتغي الإنسان أجره، وكيف يكون اليقين في موعود الله عز وجل لن نجد أبلغ ولا أروع من قصة سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه والقافلة، والي حدثت في خلافة أبو بكر الصديق رضي الله عنه .
إنها قصة تحمل من المعاني والعبر الكثير وما أحوجنا الآن لتفهمها والاقتداء بما فيها،
يروى أنه في عهد الصديق رضي الله عنه ، مني المسلمون بالفقر والقحط في عام سماه المؤرخون عام الرمادة.
ذهب الناس يشكون للخليفة سوء أحوالهم، وما كان يملك من الأمر شيئا فحاله من حالهم، غير انه يقينه في الفرج آتي من عند الله لا حدود له، وهو ما نقله لرعيته إذ دعاهم للصبر حتى يأذن المولى بالفرج.
وما هي إلا ساعات حتى وصلت قافلة جِمال تابعة إلى سيدنا عثمان بن عفان – رضي الله عنه – قادمة من الشام إلى المدينة المنورة مكونة من ألف جمل محملين بالدقيق والزيت وبعض البضائع والأغذية.
ذهب التجار لشراء ما بها، عرضوا على سيدنا عثمان أن يشتروها بضعف ثمنها، فأبى وقال إن لديه عرض أفضل.
استمروا في الزيادة حتى أربع أضعاف، ليخبرهم رضي الله عنه أن ربه وعده أن الحسنة بعشر أمثالها وان القافلة صدقة لكافة فقراء ومساكين المسلمين.
فاللهم اللهم نفس جوادة كنفس عثمان في زمن كزماننا.
فضل الصدقة:
تناولنا في بداية مقالنا عن التصدق على الفقراء بعض أفضال الصدقة، وما زلنا مع فضلها الكبير ومنه أنها من أسباب دعاء الملائكة للمتصدق أن يزيد الله تعالى في ماله ويُبارك له في رزقه.
وقد روى أبو هريرة ( رضي الله عنه ) عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : ” ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقًا خلفًا ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكًا تلفًا ” .
فوائد الصدقة:
وفي جملة حديثنا عن فوائد وأهمية التصدق على الفقراء، نقول أنها إحدى عبادات الوقت ، ففي زمن كثر فيه البلاء وتزايد عدد فقراء العالم بنفس القدر الذي زاد به أغنياؤه، وجب التنويه لأهمية الصدقة وفوائدها.
من أعظم الفوائد الاجتماعية لأداء الصدقات لمستحقيها، الحد من الجريمة بطمئنة ضعاف النفوس أن حقوقهم في أموال الاغنياء ستاتيهم دون الحاجة لارتكاب معاصي وجرائم ما سيكون من شأنه سلم اجتماعي واستتباب للأمن.
أحاديث عن الصدقة:
وقد حثت عشرات الأحاديث النبوية على التصدق على الفقراء والصدقة بوجه عام ومنها:
- عن أبى هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : سبعة يظلّهم الله في ظله يوم لا ظلّ إلا ظله وذكر ، ورجل تصدق بصدقه فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه “.
- عن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : “يتبع الميت ثلاثة ، فيرجع اثنان ويبقى واحد : يتبعه أهله ، وماله ، وعمله ، فيرجع أهله وماله ، ويبقى عمله”.
- عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الساعي على الأرملة و المسكين كالمجاهد في سبيل الله “.
- عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “كافل اليتيم له أو لغيري أنا وهو كهاتين في الجنة و أشار بالسبّابة والوسطى”.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب وإن الله يتقبلها بيمينه ، ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل”.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “قال الله أنفق يا ابن آدم أنفق عليك”.
- عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزاً ، وما تواضع أحد لله إلا رفعة الله “.
- عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا”
أهمية الصدقة:
لا يمكن أن ننهي حديثنا عن الصدقات دون التأكيد أنها لا تعني فقط اتصدق على الفقراء بالمال، وإنما هناك من الصدقات ما هو شكر من العبد لنعم الله تعالى عليه .
ومنها ما يكون بالقول ، ومنها ما يكون بالعمل ، ومنها ما يكون بمجرد النية وكما قال الحبيب صلوات الله وسلامه عليه، ” كل معروفٍ صدقة ” .
وكما قال:” “تبسمك في وجه أخيك صدقة” ومن الصدقات أيضا، إفشاء السلام ، وإصلاح ذات البين، ورعاية الايتام، ونشر العلم، والقول الحسن، وجبر الخواطر، وصلة الأرحام ورعايتهم، وغيرها من انواع الصدقات
كلمة عن الصدقة:
أخير ا، وفي ختام الحديث عن التصدق على الفقراء وسائر أنواع الصدقات، نوصيكم وأنفسنا بتجدد النية دوما، والحرص على الاقتداء بهدي الحبيب صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وتابعيهم من الصالحين في الرفق ببعضنا البعض.
وأن نكون كما قال فينا النبي ﷺ: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا وشبك بين أصابعه ويقول ﷺ: من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته وكما قال ﷺ: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
التصدق على الفقراء، من أفضل الأعمال التي يقوم بها المسلم، حيث تعتبر نوع من أنواع التضامن والتعاون مع الغير، كما أنها تعتبر نوع من أنواع العبادات التي يتقرب بها العبد لربه.
المراجع:
- حق الفقراء في أموال الأغنياء… ابراهيم اللبان
- عمدة التفسير عن الحافظ بن كثير، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي أبو فداء عماد الدين أحمد محمد شاكر أبو الأشبال
- كتاب الصدقة، عبد الله بن سليمان العتيق.