كان الشاعر المصري العبقري أحمد رامي يمر كل صباح على منزل من المنازل له بلكونة منخفضة ، ارتاح سكانه لوضع” قلة”: تتلقى تيار الهواء البارد ، في زمن لم يعرفوا فيه الثلاجات والكولدير بعد .
أحمد رامي قصة واقعية:
ربة المنزل كانت تضع على رأس “القلة” إيشاربا ، وهي قطعة من القماش ملونة ومزركشة تضعها المرأة المصرية على رأسها ، حتى لا يدخل في ” القلة ” غبار فضلا عن حشرة أو غيره من الهوام .
تصور أحمد رامي أن هذه ” القلة ” صاحبة “الإيشارب” فتاة جميلة جالسة في البلكونة تنتظر كل يوم قدومه ، وما منعها أن تنظر إليه إلا خجلها ، فازداد هيامه بها ، وتعلق قلبه بها ، وتصور أنه أخيرا وجد “حبيبا” ينثر في طريقه الورد ، ويضيء له القناديل .
وكان كلما مرّ في ذات الميعاد وجدها على حالها ، بنفس الوضعية التي تركها عليها في المرة التي قبلها ، فتأكد أن الفتاة مغرمة به كما يحبها ، فراح يكتب الأشعار التي غنتها المطربة الشهيرة أم كلثوم ، وكانت علامة فارقة في تاريخ الأغنية الرومانسية .
اقرأ أيضا: قصة جميلة: قصة الحطّاب والشجرة العجوز !
وفي أحد الأيام ، وقبل أن يطيل النظر في جمال وروعة رأس الفتاة التي لا تتحرك خجلًا من حبيبها الذي يراقبها ، وجد ربة المنزل تنتزع “الإيشارب” من رأس “القلة” فاندفعت الدماء في رأسه نظرا للمفاجأة، وأحس بدوار خفيف وكاد أن يسقط فقلبه الضعيف لا يحتمل أن يرى حبيبته بهذا الشكل .
أحمد رامي عبقري زمانه
في الحقيقة ما وصل إلينا من إبداع للشاعر الكبير أحمد رامي كان نتيجة “ملكة عبقرية قادرة على التخيل” فقد تخيل أن “قلة” تغرم به ، كما تخيل أن “أم كلثوم” مغرمة به لكنها تتمنع عليه ، فراح يكتب فيها الأشعار ذات الكلمات الرقيقة والعذبة حتى تخطت أغانيه التي لها: “130” أغنية .
و لما حدث الخلاف المعروف بينهما وواجهته “أم كلثوم” بقلب ناكر، راح يهجوها بلسان المعذب وقلب المحب ، فقال كلمات بليغات جاء فيها :
من أنتِ حتى تستبيحي كرامتي
فأهين فيك كرامتي ودموعي
وأبيتُ حرّان الجوانح صاديا
أصلى بنار الوجد بين ضلوعي
يقول الأديب البريطاني جورج برنارد شو: “إن الخيال هو بداية الإبداع”
وبعده آينشتاين قال : “إن العلامة الحقيقية على الذكاء ليست المعرفة بل القدرة على التخيل”
احمد رامي: شيء من الخيال يا سادة
صحيح أن بعض الخيالات الخاطئة قد تفضي بنا إلى نتائج كارثية ، والأحكام المطلقة قمة المصيبة لأنها مبنية على خيالات وليس واقعا، غير أن الخيال قد يكون الحل المناسب لاسيما إذا رافقه تأهب نفسي إيجابي قادر على تقديم حلولا جديدة لمشكلات نعيشها أو قضايا حياتية ، فلولا الخيال ما طار “عباس بن فرناس” ولا صعد البشر إلى القمر ولا كتب “أحمد رامي” أروع أشعاره في ” قلة”. أطلقوا العنان لخيالكم ، وانطلقوا، واحلموا بـ .. ما هي أحلامكم للمستقبل ؟